الدكتور وائل عواد
قبل أربعة أيام من احتفالات الهند بعيد الجمهورية كانت شبه القارة الهندية على موعد مع عرس كبير في الثاني والعشرين من يناير، حيث قاد رئيس الوزراء ناريندرا مودي ورجال الدين الهندوس حفل تكريس معبد الآله رام مكان مسجد بابري، الذي بني في عهد الامبراطور بابرفي القرن السادس عشر عام 1853، ودمّر على أيدي متطرفين هندوس في السادس من ديسمبر كانون الاول عام 1992 دون معاقبة أحد. ورغم أن وسائل الإعلام الهندية اعتبرت هذا الدمار آنذاك عارًا، إلا أن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا تعزف الآن لحنًا جديدًا، يحمل عودة الآله رام، الذي يُعتبر واحدًا من أكثر الآلهة عبادة لدى الهندوس.
وفقاً للميثولوجيا الهندية، يرتبط اسم الآله الهندوسي رام بالعديد من الملاحم مثل رامايانا وماهابهارتيا، ويمثل جوهر نظام القيم الهندي الذي يستند إلى النهج الإنساني.
تفسر الحملة الإعلامية الضخمة التي تقودها المنظمات الهندوسية المتشددة، بالتعاون مع الحكومة المركزية الحالية، المسؤولة عن هدم المسجد بابري، أن بناء المعبد هو ميلاد جديد للهند الهندوسية، يرفع علم التحرير من زمن الاستعمار والاستبداد والعبودية، ويؤكد على أهمية إحياء التراث الهندي.
علقت الصور لرئيس الوزراء ناريندرا مودي و طلب من جميع المحلات التجارية نصب الأعلام ومن العامة ترديد الشعائر الدينية التي التي تمّجد بالآله رام، واشعال الشموع منذ صباح اليوم الاثنين المصادف الثاني والعشرين من يناير كانون الثاني الجاري، عما علقت الصور للاله رام لنقل الرسالة الأبدية لحياة رام إلى جميع البشر، ولتكون ولادة فجر جديد للهند، كما يروّج لها معظم النساك الهندوس.
وعلى الرغم من ان المعبد في مراحله الأولى من البناء إلا أن الحكومة الحالية ورجال الدين (VHP فيشوا هندو باريشاد وراشتريا سوايامسيفاغ سانغ RSS) قرروا القيام بالتكريس حسب الطقوس الهندوسية في هذا اليوم .ويتخوف البعض من أن تسييس هذه القضية قد يؤدي إلى تآكل التماسك الاجتماعي ويعزز سياسة الاستقطاب، مما يزيد من التوترات الطائفية. وفي الحقيقة هذا الاحتفال الضخم أدى إلى انقسام داخل صفوف النساك الهندوس ،إذ رفض عدد من النساك المشاركة في حفل تدشين المعبد بحجة أن المعبد لم يكتمل بعد. في الوقت نفسه، سيطر الخطاب السياسي على هذه المناسبة، ورفض عدد من قادة الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الحفل، مُعتبرين أن الحزب الحاكم يستغل قضية دينية بهدف جذب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية المقبلة هذا العام.
مدينة أيوديها
لم تكن هذه المدينة الصغيرة محّط أنظار العالم، إذ تعيش كغيرها من المدن والقرى الهندية بأمان وسلام، وتحتضن جميع الطوائف الدينية التي تمارس عبادتها وطقوسها المعتادة. ويُظهر الوجود المشترك للمعابد والمساجد بجوار بعضها البعض التعايش السلمي، وإسهام كل طائفة في إثراء المجتمع في هذه الأرض المقدسة كأيوديها، إذ تتمتع المدينة بأهمية دينية وثقافية عميقة الجذور،ويشير وجود معابد هندوسية عمرها أكثر من 400-500 سنة دون تعرضها للهدم خلال فترة المغول إلى الأهمية التاريخية للمكان في الواقع هناك العديد من المعابد بنيت على أراض تبرع بها المسلمين وبقوا لسنوات يشرفون على اداراتها.
أشعل الاستعمار البريطاني نار الطائفية تحت شعار “فرق تسد” للحفاظ على احتلالهم للهند. وبدات النعرات الطائفية في عام 1885 حول مسجد بابري عندما طلبت المنظمة الهندوسية وضع تمائيل للاله رام داخل المسجد لكن المحكمة الهندية رفضت الطلب باعتبار أن هناك مسجد للمسلمين.
في 1 أكتوبر 1924، قدمت مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى الطبقة العليا التماسًا إلى الزعيم مهاتما غاندي، حمل تواقيع لحوالي 25,000 شخص، يطالبونه بفتح أبواب المسجد لأداء الصلاة من قبل الهندوس. و هناك دلائل على وضع أصنام هندوسية داخل المسجد قد تم في عام 1949 . وازدادت التوترات الاجتماعية والدينية ،منذ حينها وقام أنصار حزب بهارتيا جاناتا والمنظمات الهندوسية بمسيرات دينية في عام 1990 لكسب تأييد شعبي لبناء المعبد توجت بهدم المسجد على يد أنصار حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي والجماعات الهندوسية المتشددة عام 1992، مما أدى إلى نشوب حرب طائفية.
في عام 2019 في ظل حكومة حزب بهارتيا جاناتا ، تم البت بالقضية واتخاذ الاجراءات القانونية في المحاكم الهندية ،التي أصدرت قرارها التاريخي المثير للجدل ، منحت الارض للهندوس ، معتبرة أن المسجد بني على أنقاض معبد هندوسي، وقررت منح المسلمين أرضا” بديلة لبناء مسجد عليها .واستولت المنظمات الهندوسية على أراضٍ مجاورة وهدمت معابد هندوسية تاريخية بعمر يزيد على 300 سنة، بهدف توسيع مشروعها لبناء معبد الاله رام .
تحمل قضية بناء معبد الإله رام في أيوديها عدة أبعاد ، فهي ليست مجرد قضية دينية، وإنما تمثل تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية في الهند. هناك بعض النقاط التي يجدر التنويه إليها:
- الجدل حول التاريخ والهوية
يعتبر البناء المزمع لمعبد الإله رام في الموقع الذي كان يقع عليه مسجد بابري نقطة جدلية تتعلق بالتاريخ والهوية. تسعى بعض المنظمات والجماعات الهندوسية إلى إظهار أهمية تلك المواقع في تأكيد الهوية الهندوسية. والتساؤل هنا كيف يؤثر بناء المعبد على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة؟ هل يعزز هويتها أم يقوضها؟
-
التأثير الديني:
هل يؤدي بناء المعبد إلى تعزيز التفاهم الديني والتسامح أم يؤدي إلى انقسامات أعمق؟
-
الأبعاد السياحية والتطوير:
من خلال بناء المعبد وتطوير البنية التحتية، يتوقع القائمون على هذا المشروع أن يزداد اهتمام السياح بالمنطقة، مما يسهم في النمو الاقتصادي وتطوير المنطقة.
-
الانقسامات الاجتماعية والسياسية:
هل تؤدي تلك القضية إلى انقسامات في المجتمع الهندي بين مؤيد ومعارض، وتسلط الضوء على التوترات الدينية والسياسية.أم هل يساهم المعبد في تعزيز التضامن الاجتماعي والتواصل بين مجموعات المجتمع المتنوعة؟
-
التحديات الاقتصادية والاجتماعية:
يرى البعض أن هناك حاجة أكبر إلى التركيز على التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، بدلاً من التركيز فقط على المسائل الدينية.
- الحاجة إلى المصالحة والتعايش:
يعتبر البعض أن بناء المعبد لا يكفي، وإنما يجب أيضاً التركيز على بناء جسور التفاهم والتعايش بين مختلف الطوائف والمجتمعات في شبه القارة الهندية.
- المستقبل السياسي والاقتصادي:
يمكن أن تؤثر تلك القضية على المستقبل السياسي والاقتصادي للمنطقة وربما للهند ككل.
تظهر هذه القضية الخلافات العميقة في المجتمع الهندي وتطرح تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين الدين والسياسة والتنمية الشاملة والتعايش السلمي.
وأخيرا” التأثير السياسي:هل يستخدم بناء المعبد لأغراض سياسية، وهل يؤدي ذلك إلى انقسامات داخلية أو تصاعد التوترات؟ الخوف هنا لدى الأقلية المسلمة أن هدم المسجد بابري وبناء معبد هندوسي قد يكون بداية الخيط لهدم العديد من المساجد بحجة أنها بنيت على أنقاض معابد هندوسية والآن يتم التحضير لمسجدين في مدينة ماتورا في ولاية أوتار برادش مسجد شاهي ادغا وفي مدينة فراناسي مسجد غيانفابي تطالب المنظمات الهندوسية تسليمها لها لبناء معابد الألهة الهندوسية عليها .
من خلال تقييم هذه الجوانب، يمكن أن يتم تقييم إلى أي مدى يُعتبر بناء المعبد في مدينة أيوديها ولادة حقيقية للهند أو تهديدًا لحضارة دامت لآلاف السنين، وهذا يعتمد على كيفية تفاعل المجتمع مع هذا التحول وكيفية تحقيق التوازن بين العوامل المختلفة.
خلاصة القول أن أن وجود حزب بهارتيا جاناتا في السلطة مهّد لبناء المعبد بالضغوط والقانون والايمان وأشعل المشاعر الهندوسية والتشدد داخل العديد من انصاره، كما يقول بعض القادة الهندوس ،والبقاء في السلطة سوف يدفع إلى هندكة الهند وإلغاء علمانية الدولة ، حسب أجندة الجماعات الهندوسية المتشددة لإعادة مجد الأمة القومية الهندوسية التي تعيش عصرها الحالي.