موضوع العنف و اللاعنف

    موضوع العنف و اللاعنف

    خلال مقابلة عبر الإنترنت مع المفكر والأكاديمي العربي الدكتور عبد الحسين شعبان تم النقاش حول موضوع العنف و اللاعنف. وجهة نظر الكاتب تتلخص بالآتي: العنف يؤدي إلى التدمير الذاتي للبنى المادية والمجتمعية والإنسانية، وقوته تأكل نفسها بنفسها

    خصوصاً إذا لم تجد ما تأكله، وذلك من خلال الفعل ورد الفعل، فإذا لم يجد العنف ما يواجهه سيواجه نفسه، وحتى لو استمر، إلّا أنه لن يدوم إلى ما لا نهاية وسيزول يوماً، على الرغم من أن آثاره المادية والمعنوية تبقى في النفوس على المستوى الفردي أو في الذاكرة الجماعية، وقد تترك ندوباً قاسية وجروحاً قد لا تندمل على الرغم من مرور الزمن وتعاقب السنين، فمثلاً ما تزال تفجيرات هيروشيما ونكازاكي النووية ماثلة أمامنا على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود ونصف من الزمن، لما تركته من كوارث وآثار صحية وبيئية واجتماعية وغيرها.
    في غمرة الحرب الباردة وحمّى امتلاك الأسلحة النووية، وخصوصاً من جانب القوى الكبرى جرى تسخير العلوم والتكنولوجيا والإمكانات المادية لفرض الهيمنة، فامتلاك السلاح يعني التحكّم بمصير العلاقات الدولية ومستقبل البشرية، وكان من يمتلك السلاح النووي يسعى للتفرّد فيه كسلاح ردع مرعب حتى لو لم يستخدمه، ويمارس عنفاً معنوياً وإعلامياً ونفسياً ضدّ خصمه قبل عدوّه أحياناً. وهو ما يجعل العالم ينشغل بالسؤال المحوري كيف السبيل لكي يكون طريق اللّاعنف سائداً وبديلاً عن العنف، خصوصاً بإحلال السلام والعدل، لاسيّما بنزع السلاح والتخلّص من أسلحة الدمار الشامل؟ ومثل هذا السؤال بحاجة إلى تفكّر وحوار وعمل وجهد لحشد أكبر الطاقات كي تنتصر فكرة التعايش والتعاون والمنافسة لأجل الخير والسلام.
    غير أن أصحاب المذهب العنفي يردّون على تلك الدعوات التي تعلي من شأن سلمية وقوة وروحانية اللّاعنف بقولهم: ما الذي حققه قائد التبت الدالاي لاما الحائز على جائزة نوبل في مسألة ردع التسلطية البيروقراطية الصينية، حيث لم تمكّنه من تحقيق أهداف شعبه في الحريّة، ثم ماذا يمكن أن تفعل مثل تلك الدعوات لتحقيق عدالة التوزيع في الإنتاج والمساواة والعدالة الاجتماعية، ناهيك عن السلم العالمي؟
    وتلك أسئلة حياتية واقعية، يجيب عليها أهل اللّاعنف: أن الطاقة التي يمتلكها اللّاعنفي هي نور يرتقي بالإنسان بأبعاده الأربعة: المادية والعقلية والعاطفية والروحية. والإنسان لم يُخلق إلّا لهذه الغايات، والعلم قد يزيدها تأثيراً إذا استخدم على نحو صحيح وسليم وإنساني، لكنه يمكن أن يدفع الإنسان إلى أن يصبح أكثر بطشاً واستكباراً، إذا استمرّ بالاتجاه الخاطئ والشرير والمتوحّش، ففي حين أن الأول يعمل باتجاه السلام والتسامح والتفاهم والتعايش، أما الثاني فهو توجّه نحو الحرب والإقصاء والاستعلاء والهيمنة.
    د. عبد الحسين شعبان

    Please publish modules in offcanvas position.