د. سناء شامي
نشرت صحيفة التلغراف الإنكليزية بأن ألمانيا و فرنسا باعوا أسلحة و معدات عسكرية إلى روسيا كي يساعدونها في حربها ضد أوكرانيا.
خبر مثل هذا هل يعني أن دول المركز الأوربية لا تثق بإنكلترا؟ هل هذا التحالف السري بين روسيا و ألمانيا و فرنسا يعني عودة الدول الأوربية إلى مربع الحرب العالمية الأولى و إدراكهم بأن عدوهم التقليدي كان دائما إنكلترا؟ ألم تحطم إنكلترا أوربا في الحربين العالميتين الأولى و الثانية، و ذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ حتى منذ عهد نابليون عندما صارت فرنسا قوة عظمى، حرص الإنكليز على تحطيمها. إنكلترا كانت دائما تعارض نشوء أوربا متحدة و قوية خوفاً من إبتلاعها. هل بيع الأسلحة و المعدات العسكرية من قبل ألمانيا و فرنسا يخفي في طياته جهود تُبذل لطرد آمريكا و إنكلترا و الناتو و إعادة حدود أوربا إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى، و من ثم تقاسم مناطق النفوذ في فيها مع روسيا؟ هل أدركت الدول الأوربية بأن حروبهم في الماضي فيما بينهم كان السبب الأساسي في إفطارهم و سمح للتحالف الآنكلوساسوني بإستعمارهم؟ ربما هذه اليقظة دفعت عدة دول أوربية للإلتفاف حول العقوبات التي فُرضت على روسيا بسبب حربها الحالية على أوكراني، مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، التشيك و بلغاريا…الخ. طبعاً الصحافة الإنكليزية إتهمت فرنسا و ألمانيا بالخيانة، و لكن إنكلترا خلال كل مراحل تاريخها خانت أوربا و كان دائماً منهج سياساتها إمبريالي و لم تغير يوماً فكرها الإمبريالي لأنه على أساسه بنت إمبراطوريتها، و آخر خيانة لها للإتحاد الأوربي هو خروجها منه. عندما قررت بريطانيا الخروج من الإتحاد الأوربي، الجميع تحدث عن الأسباب الإقتصادية وراء انسحابها، إلا أنني لم أكن مقتنعة بهذه الأسباب، و قلت حينها بأن إعادة بناء نظام الإمبراطوريات قد بدأ… بريطانيا الآن لديها خطة طموحة تسعى من خلالها لخلق إتحاد جديد بديل عن الإتحاد الأوربي تكون هي زعيمته، و تسعى من خلاله على تحطيم أوربا و محاصرة روسيا، بمعنى آخر بريطانيا تسعى إلى خلق كومنولث أوربي بقيادة إنكلترا يتألف من دول البلطيق مثل أوكرانيا، بولندا و تركيا، و طريق التجارة بين إنكلترا و هذه الدول هو طريق قصير و يوفر تبادل السلع بينهم بسهولة، و يشكل حزام حدودي يعزل روسيا عن أوربا و يحاصرها إقتصادياً.
لقد كتبت هذا المقال على شكل أسئلة ، لأن جميع السيناريوهات لا تزال مفتوحة ... ما تبّقى في الوقت الحالي هو تهديد روسيا لأوربا بشأن الطاقة ، والتهديد في تشجيع روسيا لحركات الهجرة الواسعة النطاق من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب في اتجاه الشمال ، هذا التهديد سيؤدي إلى تزايد ارتفاع أسعار المواد الخام ، هذا الإرتفاع بدوره سيؤدي إلى موجة تضخم قوية في الغرب بأكمله. جميعنا بعلم بأن التضخم يقوض المجتمع ويجهد المؤسسات الديمقراطية ويفجّر مشاكل التفاوتات الاجتماعية. بعد الحرب العالمية الأولى ، تفككت الإمبراطوريات القديمة وأنشئت دول جديدة. اكتسبت فكرة السلام والتكامل الأوروبي أهمية متزايدة ، لكن كل هذا لم يكن كافياً لحماية أوروبا من التحالف الأنجلو ساكسوني التقليدي، ولا من الحرب بين الصين والولايات المتحدة التي تسببت في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. كما في الماضي ، يبدو أن مشكلة الصراع بين أوروبا الغربية وروسيا حول الهيمنة على البلقان لم يتم حلها بعد و نتائجها ستكون أكثر تعقيد بسبب دخول قوى و تحالفات جديدة في لعبة الهيمنة و النفوذ، مثل الصين، الهند وغيرها. إن حرب روسيا ضد أوكرانيا هي حرب ضد أوربا، كما أن الحرب في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، تحت مسميات الربيع العربي و القضاء على الإرهاب، منذ إنطلاقها سببت أضرار و خسائر عميقة لأوربا و لا سيما على صعيد التبادل التجاري. أوربا في مأزق، كيف و من أي بوابة سيكون الخروج منه؟