د. سناء شامي
هولندا دولة أوربية تعاني اليوم مثل بقية أوربا من أزمة الطاقة، لكن في حقول غرونينغن يوجد و احد من أكبر حقول الغاز بقيمة تُقدّر بواحد تريليون دولار.
معنى ذلك احتياط هولندا يستطيع أن يحل مشكلة الطاقة في جميع أنحاء أوربا… و لكن لهذا الحل ثمن مآساوي: استخراج هذا النوع من الغاز يؤدي إلى إهتزاز الأرض بقوة، و هذا يعني إذا تم إستخراجه فأن حياة الهولنديين ستتعرض للخطر.
حكاية حقل غاز جرونينجن بدأت في عام ١٩٤٧عندما توحدت شركة شيلا الهولندية و هيكسون موبيللا الأمريكية بهدف التنقيب عن الغاز، و بعد نجاح مهمتهما، أسسا شركة إن إيه أم في عام ١٩٤٨ لكن الإنتاج الفعلي بدأ في عام ١٩٥٩ عندما اكتشفوا حقل غرونينغن الضخم قرب سلوتش تيرن الهولندية و يقدّر ب ٢٨٠٠ مليار متر مكعب، طبعاً هذه الكميات الهائلة قادرة على حل مشاكل الطاقة اليوم في أوربا. في عام ١٩٦٣ بدأ الإنتاج في هذا الحقل، إلا أن الخبراء لاحظوا مباشرةً بأن هذا النوع من الغاز يحتوي على نسبة عالية من النتروجين، إذا تشكل ١٤٪ أي نسبة الطاقة أقل بكثير من غاز الحقول الأخرى، لكن الحكومة البلجيكية وجدت الحلول لهذه المشكلة و استمرت بانتاجه، و صارت فرنسا، بلجيكيا و ألمانيا يعتمدون عليه بنسبة عالية و أوربا بشكل عام بنسبة ١٠٪ و ازدهر الإقتصاد الهولندي من إنتاج هذا الحقل، لكن الحكومة الهولندية بدأت بتخفيض الإنتاج منحافظ على إحتياطي هذا الحقل و استمر إنتاجها، معتمدة على الحقول الصغيرة.
في عام ٢٠٠٠ عادت الحكومة لتزيد من حجم إنتاج الغاز من حقل غرونينغن و شعر الهولنديون بأن هناك خطر يهددهم إذا استمروا في إستغلال هذا الحقل، و بالفعل في ١٦ أغسطس ٢٠١٢ ضرب هولندا، و بالذات المنطقة الذي يقع بها حقل غرونينغن، زلازال بقوة ٣.٦ بمقياس ريختر… كذلك في عام ٢٠١٦ عاد نشاط الزلازل في نفس المنطقة. و رغم إن الحكومة خفضت الإنتاج كثيراً، إلا إنه في عام ٢٠١٩ ضرب المنطقة زلزال جديد عنيف, فعادت الحكومة الهولندية لتخفض الإنتاج بشكل كبير إستعداداً لغلقه نهائياً في عام ٢٠٢٢. انخفاض إنتاج هذا الحقل سمح لروسيا بالسيطرة على ورقة الطاقة في أوربا، فأكثر من ٤٠٪ من الغاز الذي تعتمد عليه أوربا، في الواقع كان يأتي من روسيا…
و في ظل أزمة اليوم، تطالب أوربا الحكومة الهولندية أن تعود و تزيد من رفع إنتاج الغاز من حقل غرونينغن، و لكن هذا يعني تعريض المنطقة بأثرها إلى الدمار. و السؤال هنا هل تضحي هولندا بسكان منطقة هذا الحقل من أجل إنقاذ أوربا من جليد الشتاء؟ أم أوربا نفسها يمكن أن تحول دولة هولندا إلى حطب يدفئ شتاؤها؟ جشع الإنسان حوّل دائما النعمة إلى نقمة.