مشاركة جمعيتنا في مؤتمر بنغازي للأمن السيبيراني

    مشاركة جمعيتنا في مؤتمر بنغازي للأمن السيبيراني

    د. سناء شامي

    لقد تم إختتام مؤتمر ليبيا لمكافحة الإرهاب السيبيراني، يوم ٨ آغسطس من عام ٢٠٠٢٣ و كان قد إبتدأ في ٥ من ذات الشهر و العام. قام بتنظيم و رعاية المؤتمر الآكاديمية العسكرية للعلوم الأمنية و الإستراتيجية - القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية.

    لقد تشرفت فعلاً بالمشاركة في هذا المؤتمر و لا سيما بأنني تعرفت من خلاله على أشخاص ذو وزن علمي و إنساني و خبرة في إدارة الأمور مثل اللواء عون إبراهيم سالم الذي رغم صعوبة الظروف و التركيبة المتشابكة و المعقدة لواقع الحال في ليبيا، إلا إنه مدرك لأهمية تواجه تحديات كثيرة و منها تحديات الإنترنت لما فيه خطورة على الأمن القومي، و رغبة منه و من الآكاديمية العسكرية على الحد من المخاطر التي يمكن لها أن تمس الأمن القومي و أمن بنغازي. يُقال بأن الإستماع الجيد هو نصف الفهم، و أكثر ما لفت نظري في اللواء عون هو حسن الإصغاء و الإبتسامة الهادئة التي لا تفارقه بينما يتحدث مع الآخرين. أيضاً مستشار الأمن السيبيراني في الأمن القومي الدكتور. عبد القادر علي أرحيم، هو رجل ذو حس وطني عالي و مهنية مميزة تعتمد على حسن التركيز و الإنتباه لكل شاردة و واردة… تشرفت أيضاً بمعرفة مشاركين ذو ذكاء يعمل أكثر مما يتكلم مثل د. مخمد فراس بكور من سوريا، د. محمد العياشي من تونس، د. مضر عباس من سوريا، الصديق المفكر-الفيلسوف و الشاعر إدريس هاني الذي لم يتوانى طوال المؤتمر أن يطرح بشفافية نقده البناء حول موضوع الأمن السيبيراني. كذلك لا يمكن أن أنسى الدكتورة هالة الأسعد من سوريا، صاحبة الشخصية الحاضرة و المحاورة، البروفسور الزبير محمد علي العبيد من السودان، فهو من الوجوه التي يمكن أن تلتقي بها مرةً واحدة و تتذكرها أبداً، إلى العديد من شخصيات أخرى من العراق و الأردن و من بنغازي التي إستقبلت أحسن إستقبال كل من شارك في هذا المؤتمر. أنا عن مشاركتي في هذا المؤتمر، فقد سلطت الضوء على مشاكل الواقع العربي اليوم، و على ضرورة بناء بنى تحتية متماسكة و متعافية و متكاملة لبعضها البعض، لأنه من غير المنطقي أن نتحدث عن بناء بنى تحتية للأمن السيبيراني المتعلق بالفضاء، و البنى التحتية على الأرض ضعيفة و مخترقة و لا سيما هناك بعض الدول التي تسعى على الهيمنه على موارد الدول العربية و الأفريقية. كما تحدثت على ضرورة تصحيح مسار المنظومة الأمنية في تلك الدول التي يحكمها الفساد، و بعيدة عن دورها الوظيفي التي نصت عليه القوانين و الدساتير، كما أن عمل الأمن في الدول العربية مُبنى على الدجل المعلوماتي الذي يسبب في زيادة أعداء الدولة و يُعطل مسير رجال العلم و الفكر في المجتمع. 


    إن التحدث عن العالم العملاق للإنترنت، يعني التحدث عن الإستخدامات الجيوسياسية لهذا الإنترنت، من قِبل اللاعبين العالميين، و الكل يعلم بأن إنترنت هو ظاهرة أمريكية عميقة تخضع و تتزامن مع هيمنة القوى العظمى على كوكب الأرض بأسره. من يتحكم عن طريق الإنترنت في الكابلات و الأقمار الصناعية، فهو يتحكم في العالم، و لا سيما دور الحكومات في هذا المجال صار هامشياً، فالحرب العظمى تدور اليوم في السماء حيث غالباً ما تكون القوانين غائبة. لقد أصبحنا نحن البشر وسيلة دفق للبيانات، فهل حقاً يستطيع العرب اليوم أن يحموا أنفسهم من هذا الإختراق التكنولوجي، ما دام من يصنع أنظمة الأمن السيبيراني هم أول القادرين على إختراقها؟ أتساءل، أليس من الأولوية مناقشة الطاقة الكهربائية و الطاقة المائية، قبل نقاش الأمن السيبيراني رغم ضرورته؟ أليست أغلب الدول العربية تعاني من نقص الكهرباء و الماء؟ هل يُمكن للإنترنت أن يعمل دون كهرباء؟ هل يمكن التفكير بالإستمرارية دون ماء، و لا سيما التصحر في الدول العربية في توسع؟ إخترقت العولمة الدول العربية و لم يكن مستعدين لها، لذلك دخلت عليهم من الخارج على شكل ضغوط متزايدة و متعددة الأشكال و الأهداف، فقد قلصت من هامش الإستقلالية و المبادرة العربية الإقليمية و عملت على تصدع الكتلة العربية و تفاقم أزمة النظم السياسية و تفتت المجتمعات و ضعف بنيتها، جميع مشاريع التكتل التي عملت عليها الجامعة العربية خلال نصف قرن، اليوم تصدعت لصالح مشاريع التكتل الخارجي، و أخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أطلقته الإدارة الأمريكية، و الذي وسّع و عمّق دائرة الحروب الإقليمية و الوطنية و الأهلية و نشر العنف و الإرهاب و دوّل السياسات الأمنية العربية، القومية و القطرية… و أعاد المنطقة إلى ما قبل الحقبة الوطنية مع إعادة نشر القواعد العسكرية من أجل حرمان العالم العربي من إستقلاليته في القرار و الإدارة الذاتية. 


    أتساءل، أليس العمل على محاربة الفقر و معالجة العلاقات المدنية، و أزمة الهوية و التصدي للجهل و أمراض الطائفية و بناء ثقافات وطنية من أجل توطين الحداثة، له الأسبقية الأولى؟ إن الأمن السيبيراني اليوم هو ضرورة قسرية و لكن يجب الإلتزام بها بمجازاة بناء المجتمع و الوعي و بناء بنى تحتية تعليمية، إقتصادية، مدنية، صحية و غذائية و سياسة… إذا كانت السفينه تعاني من ثقوب عديدة، إذاً يجب أن يعمل الجميع معاً على سدها في وقت واحد كي يتم إنقاذها و السير بها للأمام.، و لهذا السبب حان على الدول العربية أن تتفق على إزالة الحدود السياسية الوهمية فيما بينها، فالكل يعلم إن من وضع هذه الحدود هو اليوم من يخترق أمنهم سيبيرانيا.

     

    Please publish modules in offcanvas position.