الحاضر الغائب عن قمة الآسيان

    الحاضر الغائب عن قمة الآسيان

    د. وائل عواد

     يقال “إذا لم تكن حاضرا” فأنت على قائمة الوجبات” وهذا ينطبق على غياب زعماء الولايات المتحدة وروسيا والصين عن قمة الآسيان التي تعقد في العاصمة الاندونيسية جاكرتا وإن كان متوقعا” غياب البعض فليس شرطا” أن يحضر رئيس  دولة عظمى ،كل مؤتمر دولي على الرغم من خيبة الامل التي تخيم على الدولة المضيفة

    ولعل الخلافات الاسياسية بين الدول العظمى خلّفت شرخا” كبيرا” في التوصل إلى أي توافق دولي حول العديد من الملفات العالمية التي تهم البشرية. والحق يقال هنا، بأن هناك أسباب جوهرية قد تكون وراء الغياب ولاعلاقة للدولة المضيفة ولكن بسبب الأوضاع الداخلية في تلك الدول والخلافات بين الدول المعنية ،حيث يحاول قادتها التهرب من اللقاءات الثنائية بسبب التوترات القائمة فيما بينهم .

    باتت الحرب الروسية الاوكرانية الشغل الشاغل لقادة الدول الغربية وتلقي بظلالها في جميع المحافل الدولية وتوسع فجوة الخلافات بين الدول العظمى الذين يحاولون اقناع الأطراف الأخرى بوجهة نظرهم والتأكيد بضرورة الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة و دعم الحريات والديمقراطيات وضرورة العمل على حماية الأمن والسلم العالميين . يغيب الرئيس الأمريكي جو بايدن الاكبر سنا” بين الزعماء الامريكين، عن القمة ويرسل نائبته كامالا هاريس للمشاركة في القمة ومنتدى اقليمي اوسع يضم الهند والصين وروسيا واليابان وكذلك الاجتماعات الثنائية على هامش القمة مع القادة الاقلييمن الأعضاء في مجموعة النمور الآسيويين وسط امتعاض من جاكرتا لغياب الرئيس الأمريكي الذي فضل زيارة فيتنام على حضور القمة . اما الرئيس الصيني شي جين بينغ فقد أوعز لرئيس الوزراء لي جيانغ بالنيابة عنه في جاكرتا وفي قمة العشرين في العاصمة الهندية دلهي في التاسع والعاشر من الشهر الجاري . لكن غياب القادة  لا يمنع  ممثليها من الاستمرار في سياسة الابتزاز وتشويه الصورة والضغوط والتحريض خاصة في بحر الصيني الجنوبي حيث تستعر الخلافات بين الصين وجيرانها حول حقوق الملكية والملاحة ناهيك عن الخريطة الصينية الجديدة التي اثارت حفيظة معظم دول الجوار الذين عارضوا ادعاءات الصين حول السيادة الحدودية .

    ومن القضايا الخلافية التي تشكل انقساما” ضمن المجموعة والاكثر حضورا” هي قضية ميانمار وتداعيات الانقلاب العسكري هناك الذي وقع عام 2021 و نزوج الملايين من السكان والاتهامات بانتهاكات حقوق الانسان والقمع والاعتقال من قبل العسكر .وتواجه الدول الأعضاء في الآسيان مشاكل جمة للتعامل مع القضية والبحث عن حل اقليمي خاصة وانه من المتوقع أن تستضيف ميانمار القمة عام 2026 . وتعد منطقة آسيا باسيفيك من اولويات الدول العظمى لبسط نفوذها وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة خاصة بعد جائحة كورونا وتعرقل خطوط التوريد وتاثر الامن الغذائي والطاقة بسبب العقوبات الامريكية احادية الجانب والحرب الروسية الأوكرانية ، مما انعكس سلبيا” على الاقتصاد العالمي و سبب بالتضخم و ارتفاع الأسعار خاصة في الدول النامية والناشئة بما فيها دول الآسيان .

     هناك العديد من الأجندة والتحديات ،بالاضافة إلى ما تم ذكره ،فان مستقبل الرابطة وتماسكها يعتمد بشكل رئيسي على العلاقات بين الدول الأعضاء والتطورات الجيوسياسية التي تهدد الامن والاستقرار في المنطقة .من المعروف أن الرابطة تأسست، من قبل خمس دول ماليزيا ، أندونيسيا، سينغافورة، الفليبين وتايلاند عام 1967 وانضمت خمس دول اخرى وهي كمبوديا، ماينمار، فيتنام،لاوس وبروناي. واتفقت الدول الأعضاء العشر على تعزيز السلام والاستقرار والتعاون ،لتقليل نشوب صراعات ،والنمو الشامل المستدام ومواصلة دمج المنطقة في الاقتصاد العالمي ، وسياسة عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى . و تشكل الرابطة سوقا” متنامية تضم اكثرمن 700 مليون مستهلك ونصيب دخل الفرد قرابة 6500 دولار امريكي ،ويبلغ دخلها 3 تريليون دولار امريكي .

    وتواجه دول الرابطة تحديات جمة من التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والبطالةن والفساد والتغيرات الديمغرافية والعرقية والتنمية الاجتماعية غير المتكافئة ، والركود الاقتصادي و سباق التسلح وعسكرة المنطقة والحرب الباردة بين الدول العظمى . فقد ازدادت حدة التوترات العسكرية في المنطقة بين الولايات المتحدة والصين، ؤفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن سياسة التحالفات للحد من النفوذ الصيني خاصة تحالف اوكوس الثلاثي الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وهو الأخطر والرباعية (كواد) التي تضم الهند والولايات المتحدة واليابان واستراليا بالاضافة إلى الاستمرار في تعزيز التواجد العسكري الامريكي في المنطقة والتدريبات العسكرية المستمرة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والفليبين . مما لا شك فيه أن التحديات التي تواجه دول الرابطة، بعد أكثر من نصف قرن على تاسيسها ،جمة على الوقع المتسارع للاحداث والتطورات السياسية والعالمية ،والبحث عن تحالفات امنية وعسكرية جديدة مع اشتداد سعير التنافس على النفوذ بين الدول العظمى والقوى العالمية الناشئة .في الوقت الذي تتلع إليه دول الرابطة للتعاون مع الدول العظمى لمنع نشوب نزاعات اقليمية ودفع عجلة النمو الاقتصادي و تحقيق الامن والسلام وتعزيز المؤسسات الديمقراطية والعمل المشترك .

    Please publish modules in offcanvas position.