لماذا هذه الدورة الانتخابية للفيل الهندي مصادفة  تاريخية ؟

    لماذا هذه الدورة الانتخابية للفيل الهندي مصادفة تاريخية ؟

    استجابت الأسواق المالية في الهند ، بشكل ملحوظ صباح اليوم  المصادف 3 يونيو حزيران 2024 حيث ارتفعت الأسهم المالية مما يعكس رغبة المستثمرين في حكومة مستقرة .وذلك  بعد أن أجمعت معظم  استطلاعات الرأي بأن حزب بهارتيا جاناتا الحاكم سيفوز بالأغلبية المطلقة في هذه الدورة الانتخابية الثامنة عشر، التي تستمر لمدة خمس سنوات، بحصوله على اكثر من 300 مقعد في برلمان يضم 543 مقعد ، للمرة الثالثة على التوالي ليصبح رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي الشخصية الثانية، بعد جواهر لال نهرو الذي يحكم البلاد هذه المدة .

    وتشتد المنافسة بين التحالف الوطني الديمقراطي بزعامة  حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي المرشح بالفوز  وتحالف الهند بزعامة حزب المؤتمر الوطني الذي يواجه تحّديات جمة بسبب الانقسامات وتعرض الكثيرون من القادة للسجن والملاحقات القانونية بتهمة الفساد والرشاوى ، بدعم من الحكومة المركزية ،ويتوقع أن يتعرض  هذا التحالف لأكبر هزيمة في تاريخه السياسي.

    وسوف تتم عملية فرز الاصوات وإعلان نتائج الانتخابات يوم غد الثلاثاء الرابع من حزيران /يونيو وسط مطالبة أحزاب المعارضة لمفوضية الانتخابات باتخاذ جميع الاجراءات القانونية، لضمان عملية نزيهة لفرز الاصوات .وبانتظار النتائج لابد من إلقاء نظرة حول أهمية هذه الانتخابات وبماذا تميزت ،عدا عن كونها  أول انتخابات عامة بعد أحداث تاريخية ،مثل إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح إقليم جامو وكشمير حكما" ذاتيا"، وإنشاء معبد اللورد رام الهندوسي في أيوديا على أنقاض  مسجد بابري الذي هدم على أيدي متطرفين هندوس في السادس من ديسمبر كانون الاول عام 1992 وتنفيذ تعديل قانون المواطنة المثير للجدل الذي أدى إلى حدوث أحداث عنف وشغب ضد الأقلية المسلمة."

    • الزعيم القومي الهندوسي ناريندرا مودي

     تصدرت جميع الحملات الانتخابية شخصية رئيس الوزراء ناريندرا مودي على انه الزعيم القوي والحازم ، القادر على إدارة شؤون البلاد ومحاربة الفساد  والدفاع عن مصالح الهند وحمايتها.

    ويتربع رئيس الوزراء  مودي  على كرسي رئاسة الوزراء  منذ عام 2014 ويتمتع بشعبية عارمة في الوقت الذي فشلت فيه أحزاب المعارضة ترشيح شخصية سياسية منافسة له.

    وازدادت شعبيته بعد إلغاء المادة الدستورية التي كانت تمنح اقليم جامو وكشمير استقلالية ذاتية وزادت شعبيته أكثر ،خاصة بعد ضرب في العمق الباكستاني ،عقب وقوع أعمال ارهابية في اقليم جامو وكشمير واتهمت نيودلهي جماعات متطرفة كشميرية تستخدم باكستان مقرا" لها وهدد مودي بالانتقام من اسلام آباد  في حال وقوع أي عمل ارهابي في الهند الأمر الذي أثار المشاعر القومية والانجذاب نحو الخطاب القومي الهندوسي الذي يقوده ويرعاه شخصيا"

    • تهميش العامل الاقتصادي: على الرغم من النهضة الاقتصادية التي تشهدها الهند حيث تحتل المرتبة الخامسة عالميا" من حيث الناتج العالمي وتشهد العديد من القطاعات الصناعية نموا" ملحوظا" مثل التصنيع وتكنلوجيا المعلومات وقطاعي الزراعة والخدمات ، إلا أن الأوضاع الداخلية مازالت قاسية على المواطنين مع ارتفاع الاسعار والبطالة والتضخم في البلاد. وقامت حكومة رئيس الوزراء مودي باجراءات من خلال تخفيف حدة الاحتجاجات من قبل المزارعين وتقديم تحويلات نقدية مباشرة وإعفاءات من القروض الزراعية للمزارعين. كما وعدت بحصص وظيفية لابناء الطبقات الفقيرة .

    وتحتاج الهند إلى نمو اقتصادي بنسبة 7% على الاقل %6.75 حاليا" ، ولذلك لانتشال الفقراء من تحت خط الفقر وهذا ما وعد به رئيس الوزراء الناخبين في حالو صوتوا لحزبه ، باصلاح الاقتصاد ودفع عجلة النمو لتحصل  الهند على المرتبة الثالثة عالميا" قبل حلول عام 2027

    • الأكبر في العالم : تعد الانتخابات الهندية اكبر عملية ديمقراطية في العالم حيث وصلت كان يحق لحوالي 980 مليون نسمة من بين 1.45 مليار نسمة ، المشاركة في الاقتراع.وهذه هي المرة الاولى التي سمحت فيها مفوضية الانتخابات للمعاقين ممن تجاوزت أعمارهم 85 عاما" من المشاركة في الانتخابات من منازلهم تجنبا"للحرارة الشديدة .وهناك أكثر من 18 مليون ناخب جديد
    • ثاني أطول عملية انتخابية في تاريخ الهند السياسي: وزعت الانتخابات على سبع مراحل من 19 من ابريل نيسان حتى الاول من حزيران يوليو ومن المعروف أن انتخابات عام 1951-52 استمرت أربعة أشهر بينما الاقصر كانت انتخابات عام 1980 التي استمرت أربعة ايام فقط.
    • أقل نسبة مشاركة: على الرغم من ارتفاع عدد الناخبين إلا أن نسبة المشاركة انخفضت لأسباب عديدة اهمها فقدان الثقة بالقادة السياسين وارتفاع درجات الحرارة غير المتوقعة. وكان من بين مرشحي الحزب الحاكم قرابة 106 مرشح  كانوا ينتمون لأحزاب سياسية معارضة وانضموا لجزب بهارتيا جاناتا مما افقد ثقة الناخب الهندي .ومع ذلك فإن الكفة تميل لصالح الحزب الحاكم خاصة بعد مشاركة نسبة ملحوظة من النساء في الهند ،بعد الوعود والمغريات بتحسين حياة المعيشية للمرأة الهندية.
    • خطاب الكراهية والعدائية وسياسة استقطاب الأغلبية : تميزت الحملات الانتخابية بموجة عارمة من الخطابات القومية الاستقطابية المعادية للاقليات الدينية في الهند من قبل كبار القادة السياسي في محاولة لجذب أصوات الاغلبية من الهندوس، وذلك على الرغم من القيود والقوانين الصارمة لمفوضية الانتخابات بضرورة الابتعاد عن ذلك.واتهام المعارضة بالتقرب من المسلمين لكسب اصواتهم من خلال وعودهم بتوزيع عادل للثروات والوظائف على حساب الأغلبية على حد زعم البعض. وذهب البعض الآخر إلى كل من يعارض هندكة البلاد والهندوسية المتطرفة ،بتوجيه التهم مباشرة  إلى  قادة الاحزاب المعارضة بالخيانة والتقارب من عدوة الهند باكستان المسلمة.

    هذه السياسة الاستقطابية ،التي سبقتها اعتداءات متكررة على الاقليات الدينية ، تثير القلق حول مستقبل الهند السياسي والتعايش السلمي  في حال فاز الحزب بالأغلبية المطلقة وطبّق قوانين يعتبرها الكثيرون موجّهة ضد الأقليات الدينية.

     إن شبه القارة الهندية ،على وشك تحقيق لحظة تاريخية قد تؤدي إلى تغيير مسارها السياسي. ستكون النتائج ذات أهمية كبيرة في تحديد دور الهند في إدارة الشؤون العالمية وتشكيل التحالفات في عالم يواجه تحديات متنوعة ومخاطر متزايدة. في هذا السياق، يتوقع البعض أن تساهم النتائج المتوقعة في خلق عالم متعدد الأقطاب، مما يعزز الاستقرار العالمي ويقلل من التوترات الجيوسياسية .وفي انتظار حلول النتائج، نستذكر كلمات أوسكار أميرينغر التي تجسد جوهر السياسة كفن لطيف في جذب الأصوات وجمع تمويل الحملات الانتخابية، مع وعد حماية مصالح كل فئة في المجتمع. هذا يظهر الجانب الحساس والمعقد للعملية السياسية، حيث يتعين على القادة السياسيين إيجاد التوازن المثالي بين تلبية مطالب الناخبين والحفاظ على استقرار البلاد وسلامتها .

    باختصار، فإن نتائج الانتخابات القادمة في الهند ستكون عاملًا حاسمًا في تحديد مسار البلاد وتأثيرها على الساحة العالمية، مما يجعل هذه اللحظة مهمة جدًا لمستقبل الهند والعالم بأسره.

    بقلم الدكتور وائل عواد الكاتب الصحفي سوري مقيم في الهند 

    Please publish modules in offcanvas position.