محافظ بنك الجزائر السابق عبد الرحمن حاج ناصر صرّح للصحفي مهدي براشد بأن البنوك الإسلامية هي بنوك مضاربة بتسميات مختلفة، إذ لا يمكن إقامة بنوك إسلامية دون عملة إسلامية:
حتى يكون هناك بنك إسلامي، لابد من وجود عملة إسلامية، فدون عملة إسلامية لا يمكن إقامة نظام تمويل إسلامي. اليوم كل العملات تستند إلى الدولار الذي يسعر بدوره بنسبة فائدة لا تخضع لمعايير توافق القرآن.
لأن نظام التمويل الإسلامي هو تمويل تساهمي يعتمد على الشراكة في الربح أو في الخسارة، أي على "المخاطرة"، هو نظام لا يؤمن بـ "الضمانات".
و أيضاً لا يوجد بنك مركزي في العالم يشرف على عمليات التمويل هذه.
لذلك هيئات التمويل هذه تعمل على أساس منتوجات كلها مضمونة، بمعنى و بتسميات "إسلامية" من قبيل "المرابحة"، "المشاركة"، "الإيجار"... إلخ، و هي منتوجات ليست مبنية على "المخاطرة"، بل على نظام "ضمانات"، بمعنى أن هذه الهيئات تُمّول لك شراء سيارة أو سكن أو بضاعة، ولكنها تجعل من السيارة أو السكن أو البضاعة ذاتها ضماناً، وهذا أمر مخالف تماما للإسلام.
المشكل أن أغلبية الناس تُفكر بطريقة سطحية، و تعتبر أن نسبة الفائدة هي الربا، وكل فائدة ربا. لذلك يودعون أموالا طائلة في البنوك الإسلامية، وفي لحظة رغبته بسحبها، يتخلى عن نسبة الفوائد لصالح البنك لأنه يعتبرها "أموال محرّمة و غير شرعية. هذه الإيديولوجيا الخاطئة انتشرت في جميع البلاد، وازداد عدد المسلمين الذين يرفضون التعامل مع البنوك الكلاسيكية.
هناك فرقا بين الفائدة وبين الربا. الفائدة هي ثمن العملية التي تسمح لك بأن لا تفقد أموالك قيمتها. فمثلا إذا اشتريت اليوم آلة بـ 100 ألف دينار، وغدا أشتري الآلة نفسها بـ 120 ألف دينار، ففارق الـ 20 ألف دينار هو الفائدة، وهذا ما يسمح لي بالحفاظ على ملكي. طبعا حساب الفائدة يُقاس بالذهب ومجموع من القيم المادية الأخرى لحساب الفائدة. بمعنى آخر التضخم، أي عندما يكون هناك نسبة فائدة مقاربة لنسبة التضخم فهذا ليس ربا، بل بالعكس إذا لم أسدد أنا البنكي فائدة تحميك من التضخم فأنا أسرق، وأنت كذلك إذا لم تسدد فائدة تحميني من التضخم فأنت تسرق أيضا. لذلك الملتزمون بتعاليم الإسلام عن دراية و معرفة، خلال الخمسينيات، صرّحوا بأن نسبة الفائدة لا يمكن أن تحدد مسبقاً .
ولكن ما كان جيداً في الخمسينات أصبح غير ممكن في الثمانينات، بسبب الوهابية التي سيطرت على عقول الناس. يعني حصل تراجع حصل تراجع في قراءة الإسلام و تراجع بالتحكم في اللغة العربية، بسبب الخطاب السياسي لتلك الفترة و التعريب الذي هدف إلى هدم العربية، و حركة الأَسْلَمَاوٍية التي هدفت إلى هدم الإسلام.
وأمام هذا الإرث من نتائج التعريب الفج والأسلماوية الوهابية، نشئ عام ١٩٩١ بنك البركة كأول بنك إسلامي في الجزائر و في العالم العربي الإسلامي. كان بنكا جزائريا-سعوديا، ولكن البنك السعودي الأم لم يكن معتمداً، فقد كان فقط صندوق مالي، أو شركة مالية، لأنه في ذلك الحين لم تكن البنوك الإسلامية معتمدة في السعودية، بل كانت ممنوعة أصلاً، كانت بنوك خارج حدود دولتها، بمعنى إنها كانت بنوك "Off-Shore".
تم إعتماد البنك السعودي أولا لأنه من الناحية التجارية كان له زبائن، و يجب أن تُقدّم لهم منتوجاً يتوافق مع حاجتهم، و أيضاً حتى لا تُنقل كل تلك الأموال إلى خارج البلد. و لهذه الأسباب تم خلق "الدينار الذهبي" من أجل خلق عملة قابلة للصرف، لأن الذهب، بالأساس، قابل للصرف. كما كانت الفكرة أيضا هي إنشاء وحدة حساب دولية على أساسها يمكن أن تستند العملة الإسلامية، وبالتالي استقطاب جزء من الحجم الضخم للاحتياط والصفقات الإسلامية. على سبيل المثال مخزون الصكوك يقدر بمئات المليارات من الدولارات. إذاً البنوك الإسلامية هي مجرد إسم، و في حقيقة واقعها ليست إسلامية لأن كل المنتوجات التي تقدمها هذه البنوك هي منتوجات لا مخاطرة فيها وكلها منتوجات مضمونة.
الأمر لا يتعلق بتحريم إنشاء أموال و زيادتها، بل يتعلق بمنع ربح أموال دون فعل شيء أو دون عمل. الإسلام يمنع تراكم الأموال من أجل تراكم الأموال، لأن الغنى في الإسلام ليس هدفا بحد ذاته.
إذن، أُنشئ الدينار الذهبي في الجزائر من أجل أن يحصل البنك المركزي على وسيلة تجعله المرجع للبنوك الإسلامية في العالم، من أجل تنقّل الأموال، عبر هذا البنك المركزي الذي بدوره ينقلها عبر العالم. كل العملات في العالم، تتنقل عبر الدولار، في حين أن أساس الدولار هو نسبة الفائدة. وبالتالي ما لم يكن هناك أساس دولي إسلامي، لن يكون هناك بنك إسلامي.
- ولكن سابقاً تمت الإشارة إلى إن نسبة الفائدة ليست الربا؟
هذا صحيح، لو كان الأمر يتعلق بنسبة فوائد هي ناتجة عن سوق بأتم معنى الكلمة، في حين أن نسبة الفائدة في البنوك الإسلامية لا تحددها السوق، بل يحددها تدخلات مضاربة مستمرة، وهذا أمر معروف، بدليل الفضيحة، منذ سنوات، حول مناورات حول نسبة الفوائد، وحول بعض القروض في لندن، لأن مركز العالم ليس نيويورك بل لندن، حتى وإن كان الأمر يتعلق بالدولار. لندن هي المركز وستبقى كذلك، فهي التي أنشأت العالم منذ قرون، ولم يتغير شيء. ومادامت لندن تسيّر كل التدفقات المالية في العالم، إذاً، لا يمكن أن تكون هناك عملة إسلامية.
الفكرة من إنشاء الدينار الذهبي كعملة بديلة كان فقط من أجل تسيير مركزي للسوق، لأن السوق المالي الإسلامي سوق ضخمة جدا، و الذين فهموا هذه الحقيقة هم الإنجليز، والإنجليز لا يثقون في العرب.
كانت هناك قمة لكل الدول الاستعمارية 1903- 1907حيث اتفقوا على أن لا يسمحوا لدول العالم العربي الإسلامي بالعودة إلى ما كانوا عليه في السابق.
حين أصبحت السوق، بفضل الوهابية التي هي صناعة إنجليزية، سوقا ضخمة، لأن جميع المسلمين تحولوا إلى إسلماويين، أنشأ الإنجليز "نوافذ في البنوك الكلاسيكية الربوية سموها "بنوكا إسلامية". وإذا لاحظتم فإن المنتوج المالي الإسلامي دائما أغلى من المنتوج الربوي.
بعدها لم يعتمدوا أي بنك إسلامي في العالم العربي، بل فتحوا مناطق "أوف شور" إسلامية في ماليزيا، "لابوان".
الإنجليز، أو لنقلها بسهولة، و المعروف لدى الجميع فأن اليهود هم من يتحكمون في السوق المالية، فهم الذين خلقوا "الغولدمان ساكس"، و"البلاك لوك"، خلقوا عددا من مراكز الاستقطاب المالي، في هونكونغ ثم سنغافورة ثم دبي، ثم لابوان، وضخ الفائض المالي، دون بنك مركزي، لأنهم لا يريدون أن يكون هناك نظام مالي إسلامي.
القذافي الذي كان يقول سنهزم الفرنك الفرنسي بالدينار الذهبي الإفريقي، لم يكن الأمر ممكناً، لكن، كان يريد أن يستقطب بالدينار الذهبي "استثمارات" الدول العربية الإسلامية بكل التوجهات التي كانت تحتاج إلى مركز تستند عليه.
الفرنسيون ليسوا أذكياء، و ليسوا أقوياء في المجال المالي، فقد كان من الأفضل لهم أن يشاركوا الجزائر عوض محاربتها باستمرار، حتى يتمكنوا من مواجهة الأنجلوساكسوني، لكنهم إختاروا الطريق الخاطئ فتحوا بنك سوسيتي جنيرال في الجزائر، بمعنى أخر فتحوا شباكاً بقيم مالية تافهة، بينما مليارات الدولارات تتحكم بها الإنكليز… و في النهاية شباكا أعطوا هذا الشباك إلى الإنجليز. الفرنسيين بغطرستهم لم يكونوا ليقبلوا حتى بفكرة أن الجزائر تفكر بشكل مستقل عنهم.
و للآسف، الفرنسيين إستطاعوا عرقلة الإقتصاد في الجزائر، لأن النظام حينها، منشغل فقط ببقائه على الكرسي الذي يأخذ شرعيتة من فرنسا ودعم منها. كانت فرنسا تفرض رأيها على الاقتصاد و جدولته، لأن الشرعية لم تكن تأت من الشعب، إنما من قوى خارجية.
أما بالنسبة إلى (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، فليس هناك أخطر من المقنّعين باسم الإسلام، إنهم أكبر سند لاقتصاد المضاربة، إنهم على النقيض تماما من الاقتصاد الإسلامي الذي هو اقتصاد يعتمد على الشراكة بالربح و الخسارة، أي إقتصاد المخاطرة.
وماذا عن ثراء العرب؟
أن المال مسألة تقنية لا تقدم و لا تُؤخر في قوة العرب أو إستقلالهم ما دمنا لم ندخل في عالم متعدد الأقطاب وبالتالي متعدد مراكز المال، بما فيهم العملة الإسلامية، لأنه بدون ذلك تبقى البنوك الإسلامية تسميات لتغطية مضاربات مالية أخطر من مضاربات البنوك الكلاسيكية.
الحكومات التي تتوجه إلى ما تسميه "الصيرفة الإسلامية"، فقط لأنها تريد استقطاب أكبر حجم ممكن من أموال الاقتصاد الموازي الموجود خارج نطاق البنوك. و أكد محافظ بنك الجزائر السابق عبد الرحمن حاج ناصر
هذا الذي يسمونه "بنوكا إسلامية" مخالف تماما للإسلام، وإذا كان هناك كل هذا الكم من الفتاوى المخالفة للإسلام، فلأن هناك أموال تدخل الجيوب. البنوك الإسلامية لا تملك أساس، فهي تأخذ النقود من البنك المركزي، بنسبة فائدة 5 في المائة، وهو يعيد بيعها للمسلم الطيب بنسبة فائدة تصل إلى 10 في المائة، ثم يُلبس هذه العملية لباس "قرض"، هذه البنوك لا تأخذ أية مخاطرة، هي اشترت أموالا بنسبة فائدة وباعتها لك بنسبة فائدة أكبر في شكل إيجار.
أعتقد أن الفتوى الحقيقية والوحيدة، هي أن الفائدة حلال. وهذا مشكل طرح على النصارى إلى غاية القرن الخامس عشر، حين أقر الفاتيكان، تحت وطأة احتكار اليهود لسوق المال، أن هناك فرق بين الربا والفائدة، فالربا اختراع يهودي، اليهود أجازوا الربا، ولكن الربا ليس الفائدة، والإسلام لم يحرم الفائدة، الربا هو المضاربة، هو استغلال وضعية القوة. حتى في البنك المركزي هناك شيء اسمه الفائدة "taux d’intérêt"، والربا "taux d'enfer" وحتى "super enfere".
لقد ميّز النصارى بين الربا والفائدة في عصر النهضة، لولا هذا التفريق لما كانت النهضة، لأن تحرير الأموال من شبكات الاحتكار اليهودية حرر ديناميكية التجارة.
الحل إذن في تحرير الفكر، كما حصل في محاولات النهضة لجمعية العلماء المسلمين في الماضي، وتصحيح مفهوم الربا، ومفهوم الفائدة، و العودة إلى الفهم الصحيح لمبدأ اقتسام المخاطرة. الضريبة في الإسلام تحسب بناء على هذا الفهم. ما هو الشيء الخاضع للضريبة في الإسلام؟ الإسلام ينطلق من مبدأ من لا يعمل يدفع، ومن يعمل يجازى، غير أن الوهابية دفعت المسلمين إلى الاعتقاد بأننا يمكن أن نربح المال دون أن نعمل، لذلك اليوم، الكثير من الناس تسعى للربح بأقل جهد معتمدة على التلاعبات المالية و على الخداع في العمل.